بعد التخرج، حلمتُ أن أعمل في مجالي، مَثَلي في ذلك مثل الكثيرين من خريجي الإخراج السينمائي. وسعيت جاهدًا لأعمل مساعد مخرج لأحد المخرجين المهمين و المعروفين، حتى وإن كان العمل دون أجر لأتعلم منهم. لكن دون جدوى.
وبحكم إقامتي في تركيا، اقتصر مجال العمل على المعارضة السورية بأنواعها السلفية والإخوانية والعلمانية والإغاثية، أو أحيانًا المطاعم العربية التي تريد إعلانًا.
بعد سنتين من البحث في تركيا استطعت أن أتوظف في شركة خليجية في إسطنبول كمخرج أفلام إنسانية قصيرة.
صورت أول فيلم لي في الشركة و كان عن مدينة غزة #Gaza
وبعد شهرين، تغير المدير. ولم يحترم المدير الجديد العقود المُبرمة سابقًا، ولأني سوري، لم أتمكن من توقيع عقد نظامي يحميني، فتم التلاعب ببنود العقد الذي وقعته، ولم أجد ما وعدوني به، بل على العكس تمامًا، خفضوا من راتبي، ولم أعد مخرج أفلام قصيرة، بل أصبح عملي تعديل الصور على الفوتوشوب ورفعها على موقع الشركة.
يوم الأول من أيلول/سبتمبر 2014، استلمتُ راتبي وقررتُ الاستقالة. ثم بدأت أفكر في عمل حر أحبه. ونصحني أحد الأصدقاء أن اقوم بتصوير الأفلام القصيرة و رفعها على اليوتيوب. قائلًا إن هناك الكثير من الشباب يفعلون ذلك.
أعجبتني الفكرة و بدأت بمشاهدة ما يقوم به الشباب العرب والأمريكيين على اليوتيوب، وكنت أمضي كل يوم ما يقارب8 إلى 10 ساعات في المشاهدة.
بدأت ابحث عن كيفية جني الدخل بحيث يصبح عملي المستقل هو اليوتيوب. عند أغلب الذين كنت أتابعهم، كانت المشاهدات بالملايين. وكنت أقرأ المقالات والدراسات، التي يؤكد جميعها أن المشاهدات العالية سهلة وليست صعبة أبدًا.
غمرتني الحماسة. فأخذت كل ما كان معي من مال، وكان المبلغ 3000 دولار، وصورت ثلاثة أفلام إنسانية قصيرة.
أنفقت 2000 دولار على تصوير الأفلام، وأنفقتُ الألف المتبقية على تسويق وترويج الأفلام عبر الفيسبوك واليوتيوب. لم أضع في حسباني أي احتمال للفشل، إذ كان طموحي أن كل فيديو سيأتيني بملايين المشاهدات، وأن المبلغ سيتضاعف بأقل من شهر. رفعتُ أول فيلم وكان عنوانه السوريون في العام الجديد.
https://youtu.be/2pSLSTDup2c
وجلست أراقب المشاهدات. اليوم الأول: 150 مشاهدة. اليوم الثاني: 1000 مشاهدة.
وفي اليوم الثالث شارك الدكتور فيصل القاسم الفيلم على صفحته التي يوجد فيها 7 ملايين متابع. رقصت وبدأت أغني فرحًا. هذا هو يومي. وبالفعل بدأت المشاهدات بالازدياد، ولكن لتقف عند 20 ألف مشاهدة. انتظرتُ شهرًا تقريبًا، ولكنني لم أجد زيادة تذكر.
نصحي أصدقائي برفع فيلم كل شهر لأن هذا يزيد من احتمالية انتشار الفيلم الذي قبله أيضًا. تجاوبًا مع النصيحة، رفعت الفيلم الثاني، وكان بعنوان عرس سوري.
https://youtu.be/AOblXuqxCjY
وبدأت أروج له في الفيسبوك واليوتيوب، لكن المشاهدات لم تزد. وبعد انتظار أكثر من ثلاثة أسابيع، لم يتجاوز عدد المشاهدات الخمسة آلاف.
بدأ الإحباط. كنتُ قد تركتُ عملي، وأنفقتُ ما كان معي من مال على التصوير والترويج ولم أجنِ شيئًا مقابل ذلك.
رفعتُ الفيلم الثالث بعنوان أرجوحة الأمل
https://youtu.be/T8mvu8KkmpM
ولكن المشاهدات لم تزد مجددًا.
أصبت بإحباط شديد، فلم أخرج من المنزل طوال ثلاثة أشهر. ولم أفتح أي حساب للتواصل الاجتماعي. وبدأت أعاني من التوترات النفسية. كان خطئي أني لم أسأل متخصصًا، وأنني استسهلتُ اليوتيوب.
وبعد اتصال مع شخص يعمل على اليوتيوب قال لي إنه يدفع أحيانا نصف ما يحصل عليه من اليوتيوب لشركات التسويق لكي تصل مشاهداته إلى الملايين، وأن هناك ما يُسمى التسويق الإلكتروني، وأنا كنت جاهلًا تمامًا بذلك. والأهم، أنني لم أعلم أن علي، منذ البداية، التواصل مع اليوتيوب لأسجل في برنامج الشراكة التابع للموقع.
أرسلتُ الطلب مباشرة إلى اليوتيوب، وكان هناك ملاحظة في الأسفل باللون الأحمر: «لا يمكنك الانضمام إلى برنامج الشراكة مع يوتيوب إذا كنت في إحدى الدول التالية: روسيا، وتركيا، وأفغانستان…»
صدمت! بعد كل هذا التعب والانتظار والمحاولات، لا يحق لي التسجيل في الشراكة لأني متواجد في الأراضي التركية!
بدأت بدراسة التسويق الإلكتروني عبر برامج تعليمية على الإنترنت. وبدأت التواصل مع أشخاص يعملون على اليوتيوب، وبحثت كثيرًا. كانت النتيجة أن التسويق جيد مع منتج (فيديو) بشكل منتظم يعود بنتائج جيدة. وبدأت أفكر كيف لي صناعة أفلام أرفعها على اليوتيوب بشكل منتظم، بحيث لا تكون مكلفة.
وهكذا توصلت إلى فكرة صناعة برنامج على اليوتيوب أقدم منه حلقة أو حلقتين أسبوعيًا، وأن أسجل القناة من خارج تركيا لأتمكن من الاستفادة من برنامج الشراكة مع يوتيوب، وأن أصبر على العمل ما يقارب السنتين حتى ولو لم تكن هناك أي نتائج مالية.
فكرتُ في أكثر ما يريده رواد اليوتيوب، ووجدتُ أنه الترفيه والكوميديا. وأنا لا أملك هذه الروح الكوميدية ولا أستطيع أن أهرج و أن أقف على يدي ورجلي للأعلى لأضحك الناس، ولا أحب التهريج المبالغ فيه، كأن يضربني أحد على وجهي بقوة ليضحك المشاهد عليي وأنا أسقط أرضًا ورجلاي إلى الأعلى. وكانت هناك أسئلة أخرى، مثلًا: أين سأصور؟ فليس لدي استوديو، وغرفتي غير مناسبة.
بعد الكثير من التفكير، قررتُ الاستفادة من دراستي في الإخراج السينمائي، وتقديم برنامج يناقش المسلسلات السورية والأفلام السينمائية السورية، إن وُجِدت، بطريقة ساخرة نسبيًا. كان أخي الأصغر معي في كل خطوة، ويوم 14 نيسان/أبريل 2015، أسسنا معًا قناة على اليوتيوب وأسميناها حمصوود، ليجمع الاسم بين مدينتنا حمص، وعاصمة الإنتاج السينمائي العالمية هوليوود. وكانت تلك انطلاقة حمصوود، التي سأروي المزيد من قصتها في المقالة القادمة.
إعلان
جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024