الحياة في يوم

hqdefault

 

سنحدثكم اليوم عن فيلم يعتبر شديد الخصوصية، وهو فيلم رغم أنه حديث الإنتاج إلا أنه أطلق نوعًا جديدًا في السينما، وقد بني على تجربة غريبة وخاصة، وكان تحت عنوان : الحياة في يوم.
الفيلم من إنتاج شركة سكوت فري بالتعاون مع يوتيوب، وفكرته شديدة البساطة، إذ طلب مخرج الفيلم الأساسي كيفين ماكدونالد من أناس في مختلف أنحاء العالم إن يقوموا بتصوير ما يجري معهم، أو مع شخص من محيطهم، في يوم محدد من حياتهم وهو 24 تموز 2010. كما طلب ماكدونالد من المصورين أن يسألوا الشخص موضوع المادة المصورة 3 أسئلة : ماذا تحمل في جيبك؟ ماذا تحب؟ ممَّ تخاف؟
اشترك في التجربة 80 ألف شخصًا من 192 دولة في العالم، وكانت نتيجة التصوير 4500 ساعة مصورة من حياة البشر العادية في ذلك اليوم.
كانت المهمة الأصعب بالطبع، انتقاء 95 دقيقة، وتشكيل فيلم صالح للعرض من كل هذه المواد المصورة.

 

 

بني الفيلم بأبسط صيغة ممكنة، وهي الترتيب الزمني، يبدأ الفيلم في منتصف الليل مع شخص يخبرنا التاريخ ويعلن بداية اليوم، ونبدأ بالانتقال بين البشر، عمومًا بفوتومونتاجات متعددة، والفوتومونتاج هو عبارة عن مونتاج للقطات متعددة تحدث بالتوازي، وهنا كانت هذه الفوتومونتاجات تجمع اللحظات المشتركة بين البشر، كالوجبات الثلاث، الولادة، الزواج، البكاء. وكان يتخلل هذه المونتاجات مشاهد كاملة من بعض المواد المصورة اللي وصلت لفريق الفيلم.

الملفت في الفيلم، هو أنه استطاع تقديم عمق فكري لفكرته البسيطة، من خلال طرح التفاوت الطبقي بين البشر، وانعدام العدالة في توزيع الثروة في العالم، وتقديمه للبشر البائسين بالتوازي مع الأغنياء المترفين، في نفس الوقت أشار بصورة لا تخلو من التبسيط وربما بعض السطحية، إلى أن الفقر ليس دومًا سببًا للتعاسة. ولعل أكثر ما يمكن أن نستنتجه من الفيلم، وهو مما يبعث على الحزن، أن البشر بالمجمل تعساء في حياتهم أكثر مما نتصور، خاصة في يوم عادي وطبيعي من حياتهم. رغم أن الفيلم لم يخلُ من لحظات سعادة ورقص وغناء.

لم يتطرق الفيلم للسياسة إلا مرتين، المرة الأولى، كانت في مشهدين متوازيين بين مصور أخبار أفغاني، يعيش في كابول، وزوجة ضابط في الجيش الأمريكي موجود في الطرف الآخر من العالم. مصور الأخبار يستعرض معنا الحياة اليومية في كابول، فيما تنتظر الزوجة الأمريكية زوجها الضابط ليتصل بها عن طريق سكايب. والحقيقة إننا لا نشعر أن الفيلم منحاز لطرف منهما على حساب الآخر، إلا عندما ينتهي الاتصال بين الضابط وزوجته، وتنهار هي في نوبة من البكاء.

مرت السياسة للمرة الثانية في الفيلم، في الجزء الذي يجيب فيه الأبطال على سؤال: ممَّ تخاف، حيث أجاب الإسرائيلي أنه يخشى أن يعيش فلسطيني في مكانه بالمستقبل.

لم يظهر العرب في مشاهد الفيلم إلا من خلال المشاركة المصرية، والحقيقة أن البؤس الموجود في هذا الجزء يزيدنا إحساسًا بقسوة العالم وقلة عدالته.

أبطال الفيلم كلهم أناس عاديين جدًا من العالم، لكنهم ظهروا هشين، يبحثون عن السعادة، يحاولون تجاوز الألم، والحزن. ينتهي الفيلم بصبية تروي كم كانت ترغب بأن يكون يومها هذا استثنائيًا أو أن يحدث فيه شيء وتشرح خيبتها لأن شيئًا لم يحصل.

يشكل الفيلم وثيقة للأجيال القادمة، التي يمكن أن تسأل نفسها : ترى كيف عاش البشر في يوم عادي من العام2010؟ كما يمكن اعتبار جزءًا منه شرحًا لأسباب اندلاع الثورات بعد فترة قصيرة في جزء من هذا العالم.

المأخذ الأساسي على الفيلم إنه لم يذكر الأماكن التي تجري فيها الأحداث، وفي مرات عديدة، كان من الممكن أن يكون لتعرفنا على الدولة أو المكان أثر أكبر، أوأن يجعلنا نتفهم ثقافة الأشخاص الذين نشاهدهم بشكل أعمق، بالإضافة طبعًا إلى أن المشاهد المختارة كان فيها غلبة كبرى للمشاركة الأمريكية على حساب المشاركات الأخرى.

MV5BMjE4MDQ2NTM3Nl5BMl5BanBnXkFtZTcwMDQ1MDY1NQ@@_V1_

رغم أن الفيلم لم يكن فيلمًا مثاليًا وكان أقرب ما يمكن إلى تجميع لفيديو يوتيوب طويل مؤلف من مجموعة فيديوهات فردية، إلا أن ما يحسب له هو المغامرة وتجربة نوع جديد، وقد ينجم عن هذا النوع في المستقبل مزيد من النتائج إن تعاون في تجاربه اللاحقة محترفون وليس أفردًا هواة.

شارك على:

شارك برأيك

إعلان

جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024

تم إطلاق هذا الموقع بمنحة من

مؤسسة اتجاهات - ثقافة مستقلة