عندما تشاهد فيلم سقف دمشق وحكايات الجنة للمخرجة السورية سؤدد كعدان، تشعر فورُا أنك أمام مخرجة حساسة تشبعت بيئتها واستطاعت نقل حبها لها ولتفاصيلها في فيلم يحتفي بمدينة كاد الإهمال أن يقتلها، لولا تاريخها الذي تحمله بين طياتها. تقول كعدان بصوتها في بداية الفيلم الحائز على جائزة المهر الذهبي في مهرجان دبي السينمائي:
“في مدينتي حية لا تؤذي أهل البيت، و صحن طعام يكفي ثلاثين شخصاً، و أبواب مفتوحة ليلاً نهاراً، و أنهار تجري في وسط البيت، و بيت كبير دمشقي مسحه شارع، وجد طاعن في السن لا يتوقف عن قراءة قانون الاستملاك.”
يحكى أنه كان هناك…
وينساب الفيلم وحكاياه وشخصياته مفعمًا بالحب والعناية، وتشاهده وأنت تعلم اليوم أن الفيلم يحمل في طياته أيضًا أسبابًا لثورة تختبئ تحت جمر الظلم، ظلم الأفراد والأماكن معًا، ويكتسب الفيلم قيمة جديدة بعد أن أصبحت الأماكن تلك مشتهاة وبعيدة عن ملايين المهجرين قسرًا.
لذا لن تفاجأ عندما تسمع عن الاستقبال الحار الذي تلقاه فيلمها الروائي القصير خبز الحصار في مهرجان فريبورغ السينمائي، إلى جانب الفيلم العراقي القصير مملكة النفايات، حيث نوه تييري جوبان، المدير الفني لمهرجان فريبورغ بـ “الجمالية الفنية الكبيرة” و”الحرفية العالية” اللتين تميزت بهما طريقة تصوير هذه الفيلمين القصيرين، واللتين تضاهيان في نظره الإنتاجات الغربية والأمريكية ذات الجودة. كما قال عن الفيلمين أيضًا: “هذان الفيلمان القصيران يعكسان رغبة الباقي على قيد الحياة في إعادة البناء بعزيمة من حديد”
فيلم خبز الحصار، هو الفيلم الروائي القصير الأول للمخرجة كعدان، التي كانت قد أنجزت سابقًا مجموعة من الأفلام الوثائقية، يروي حكاية لقاء بين فتاة تهرب الخبز إلى منطقة محاصرة تحت ملابسها، وشاب هرب من الخدمة العسكرية بعد أن أطلق النار على صديقه خطأ أثناء لهوهما بإطلاق النار على الأشجار. لقاء يجسد حكاية من يقاوم ويحاول أن يخلق حياة في ظرف لا يسمح بذلك.
صورت المخرجة فيلمها في لبنان، في نقطة قريبة من الحدود السورية، في مجازفة بدت لها يومها بسيطة، لكنها تعترف الآن أنها غامرت لأنها شعرت بضرورة قربها من سوريا.
الفيلم القصير خبز الحصار هو الخطوة التي تسبق المشروع الأكبر للمخرجة، التي تعمل منذ عدة سنوات على الإعداد لفيلمها الروائي الطويل الأول، مسكونة برغبة في رفع صوت سوري يروي حكاية السوريين من وجهة نظرهم، ورغم كل الصعوبات التي تواجه مخرجًا سوريًا يحاول البحث عن تمويل، ما زالت تحاول، وقد نجحت، وسينطلق تصوير فيلمها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم.
سؤدد كعدان مخرجة سورية، انطلقت برحلتها في عالم السينما بهدوء وصمت، وشقت طريقها إلى المهرجانات والجوائز العالمية، وإننا جميعًا بانتظار فيلمها القادم وكلنا أمل بأن يأخذ الفيلم وصاحبته ما يستحقان من ترحيب واحتفاء، لما يمكن أن يكون جزءًا من سينمانا الجديدة الحرة.
إعلان
جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024