من شاشة المستقبل اللبنانية إلى الفضاء الافتراضي، كانت رحلة الإعلامي نديم قطيش مليئة بالإثارة، فابن الجنوب اللبناني رفض الانصياع للتيار، وكسر كل القيود، متحديًا المعوقات الضخمة التي وضعت في طريقه، ليحتل مكانة مرموقة في عالم الإعلامي العربي، وليكون واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا.
السخرية الجادة
اتخذ قطيش من السخرية الجادة أسلوبًا له في برنامجه DNA، فلم يدخل في عالم التهريج كما يفعل معظم العاملين في المجال الإعلامي الساخر، السياسي منه خاصة السياسي، ولم يذهب للإضحاك لجني جمهور متابع كما يقوم بعض “نجوم” الشاشة الصغيرة، بل انتهج الكوميديا السوداء في طرحه.
فمن النادر أن تشاهد الإعلامي اللبناني وهو يضحك أو حتى يبتسم، إذ عمد في سخريته على الوقائع والحقائق والمقارنات بين التصرفات والتصريحات دون أن تكون شخصيته أو تعابيره عاملًا أساسيًا في موقفه، وإن كان لها دور في ذلك.
ترك في معظم الأحيان الدور للمشاهد أن يتخذ المواقف مما يراه، فلم يفرض آراءه بل سوقها وقدمها بطريقة جذبة واحترافية تحمل الكثير من القرب والجدّة والواقعية، وطبعًا السخرية اللاذعة.
التأثير
مع توالي حلقات برنامجه السياسي الساخر، أصبح له تأثير على الوسط الشعبي والسياسي على حدّ سواء، فانتشاره امتد من الشاشة الصغيرة إلى الفضاء الافتراضي، وأصبح له مئات الآلاف من المتابعين على موقع اليوتيوب والفيسبوك وحتى التويتر، ووصل عدد مشاهدات برنامجه على اليوتيوب وحده لأكثر من 25 مليون، فيما قد تزيد عن ذلك على موقع فيسبوك.
التفاعل الشعبي مع إنتاجه أصبح حدثًا يوميًا، فمواقع التواصل الاجتماعي تتناقل حلقاته وتغريداته وتصريحاته بشكل كبير، ورغم أنه يتعرض للكثير من التشويه من قبل معارضي أفكاره، لم يتوقف قطيش، بل ازداد إصرارًا، فلم يتخلَّ عن مواقفه وآرائه، بل استمر في عمله رغم التهديدات بالقتل التي تأتيه بشكل شبه يومي.
على المستوى السياسي، أصبح معظم السياسيين الذي يتناولهم في برنامجه يفكّرون ويحضرون نفسهم لعدم فسح المجال له لانتقادهم، ولكنه دائمًا ما يجد الطريقة الواقعية والساخرة، في ذات الوقت، لتقديم أفكاره ومواقفه، وفي بعض الحالات عمدت شخصيات للرد على طروحاته بشكل مباشر وغير مباشر في كل مرة تسنح لهم الفرصة، وربما أبرز الشخصيات التي تناولها ويتناولها قطيش في برنامجه الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله الذي يعد المادة الأدسم لبرنامج DNA.
السعودية والحريري
كان لانتماء قطيش لتيار سعد الحريري تأثير سلبي على برنامجه في بعض الحلقات، حيث ظهر بعض التحيز، والأمر ينطبق على تعامله مع ملف السعودية والتي لم تجد أي نقد منه رغم الشاكل الجمّة التي تعاني منها المملكة بل العكس.
وهذا ما جعله في بعض الأحيان يفقد الاتجاه، في دفاعه عن تيار الحريري والسعودية (كدولة وقيادة)، ولكنه مع ذلك استطاع أن يخرج من هذا المأزق بالتركيز على قضايا معينة تحمل الكثير من الجدل، كالقضايا الداخلية اللبنانية، وكقضية الثورة السورية والتدخل (اللبناني) المتمثل بحزب الله في الداخل السوري، والقضايا الدولية حتى.
ولكن تبقى هذه النقطة أحد العوامل الهامة التي لم تصل بقطيش إلى العالمية، ولو وضع التيار والمملكة خارج حساباته (وهنا لا يعني أن يتخلى عن آرائه ومواقفه) لكان واحدًا من أكثر إعلاميي العصر الحديث تميزًا.
التواصل الاجتماعي
كان لمواقع التواصل الاجتماعي دور كبير في برنامجه الذي أصبح يعرض على شاشة الحدث إضافة إلى المستقبل، ما حول الإعلامي اللبناني من نجم إعلامي على الشاشة الصغيرة، إلى محرك لصفحات الفيسبوك والتويتر واليويتوب. فالعرب عامة وسكان الشرق الأوسط خاصة (مؤيدين لأفكاره أو معارضين لها) أصبحوا يتابعون برنامجه بشكل متواصل، عبر مواقع التواصل، ويتفاعلون معه بشكل كبير، كل حسب توجهاته.
كلمة أخيرة
تكاد التجارب الإعلامية المميزة في الوطن العربي تعد على أصابع اليد الواحدة، ويعتقد كثيرون أن تجربة قطيش منها، خاصة فيما أحدثته من تأثير شعبي وسياسي كما أشرنا سابقًا. ولكن الأهم أن تجربة الإعلامي اللبناني تجاوزت الشاشة الصغيرة، ووصلت الفضاء الافتراضي، إذ فرض نفسه كواحد من أهم الفاعلين على هذا الفضاء، وتربع في لحظات عدة على عرشه.
إعلان
جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024