فن الإخراج هو فن تحويل النص المكتوب إلى صورة من خلال أدوات عدة، على رأسها روي القصة، واللغة البصرية، وإدارة الممثلين. يظن كثيرون أن الإخراج مهنة منفلتة من الضوابط، إلا أنها وعلى مر مئة عام وأكثر من انطلاقها، تحولت إلى علم، يجمع بين قواعد واضحة وبين حرية ومرونة فكرية وفنية، تسمح للمخرج أن يجد أسلوبه الخاص به من ضمن العلم الذي أرسيت قواعده بعد مئات آلاف وربما ملايين التجارب.
من أكثر القواعد رسوخًا في عالم الإخراج، أنواع اللقطات وأحجامها، واليوم سنشرح بشكل مبسط وسريع أحجام اللقطات لنعود في مقالة قادمة إلى أنواعها.
اتفق عالميًا على تقسيم اللقطات إلى سبعة أحجام، وتعتبر تسمياتها موحدة في العالم، إلا أننا في الوطن العربي اصطلحنا تسميات خاصة بنا سنستخدمها هنا مرفقة بالتسمية الإنكليزية، وهذه الأحجام هي:
1- اللقطة العامة أو التأسيسية Establishing shot: تسمى هذه اللقطة بالتأسيسية لأنها تؤسس للمكان الذي يتم التصوير فيه، وهي أوسع اللقطات حجمًا، وتستخدم عمومًا لشرح جغرافية المكان، أو لتوضيح تموضع الشخصيات في المكان. تمتاز اللقطة العامة بجماليتها العالية، وبنقلها إحساسًا من الانشراح للمتلقي، ولكنها في الوقت نفسه لا تشعره بالتواصل مع الشخصيات بسبب صغر حجمهم في الكادر وبعدهم عن المشاهد.
2- اللقطة الطويلة أو الواسعة Long shot: تعتبر هذه اللقطة أضيق من اللقطة العامة ولكنها أيضًا لقطة بعيدة، والحقيقة أن الحدود بين اللقطة العامة والواسعة ليست محددة بشكل علمي، ولكن إن كانت اللقطة العامة على سبيل المثال هي لقطة تضم صالون بيت ومطبخًا وغرفة نوم (إن كانت جغرافية البيت تسمح بجمع كل هذه العناصر في لقطة)، فإن لقطة تضم مجموعة من الشخصيات تجلس في الصالون هي لقطة واسعة. وتستخدم هذه اللقطة عمومًا في المشاهد التي تحتوي أكثر من شخصية، لجمع كل شخصيات المشهد في لقطة واحدة. وتختلف هذه اللقطة عن اللقطة العامة بأنها تقرب المشاهد قليلًا من الشخصيات وتسمح له برؤية المكان من زاوية أقرب قليلًا، وبفهم العلاقة المكانية بين شخصيات المشهد.
3- اللقطة الأمريكية American shot: سميت هذه اللقطة بهذا الاسم لأنها ظهرت في أفلام الويسترن الأمريكية، وهي لقطة لشخصية ما، من الرأس وحتى الركب، وكان سبب ظهور هذا الحجم من اللقطات أن أبطال أفلام الويسترن، كانوا يرتدون على خصرهم مسدسات تتدلى على جنبهم، ولذا كان لا بد من لقطة يسمح حجمها بمشاهدة المسدسات طوال الوقت، إلا أن هذه اللقطة ليست من الأحجام المفضلة للمخرجين خارج النوع الذي ابتكرت من أجله، لأنها ليست لقطة قريبة بحيث تربط المشاهد بالشخصية ولا لقطة بعيدة بحيث نرى الشخصية في مكان وجودها.
4- اللقطة المتوسطة Medium shot: تتضمن هذه اللقطة الشخصية من الرأس وحتى الخصر، وهي لقطة تستخدم كثيرًا لأنها تسمح للمشاهد بأن يقترب من الشخصية ويشاهد أفعالها، ولكنها بالمقابل لقطة حيادية نوعًا ما، أي أنها تبقي المشاهد على مسافة من الشخصية.
5- اللقطة القريبة Close-up shot: تتضمن هذه اللقطة رأس الشخصية مع الكتفين، وهي لقطة تسمح للمشاهد بمراقبة تفاصيل الوجه، وتربطه بشكل مباشر بما تقوله الشخصية أو بردود أفعالها، وتشعره بالقرب منها، كما تؤكد هذه اللقطة أهمية ما لما تقوله أو تفعله الشخصية، وهي لقطة كثيرة الاستخدام أيضًا.
6- اللقطة القريبة جدًا Extreme Close-up shot: تتضمن هذه اللقطة مجموعات من التنويعات ولكن أوسع أحجامها هو لقطة من العينين إلى أسفل الفم، ولكنها يمكن أتكون أقرب فتتضمن عينًا أو فمًا أو تفصيلًا صغيرًا، تستخدم هذه اللقطة لإيضاح أهمية شديدة لما تقول أو تفعل الشخصية، كما أنها تلفت انتباه المتلقي إلى تفاصيل يريد المخرج له أن يركز عليها، كما أن تأثيرها الشعوري شديد لأنها تربط المتلقي بعالم الشخصية عن قرب.
7- لقطة من فوق الكتف Over shoulder shot: وتسمى في بعض أنحاء العالم العربي بالريفرس أو الأمورس، وهي كما يدل اسمها لقطة لشخصية من خلف كتف شخصية أخرى، ويظهر فيها طرف كتف الشخصية الثانية مع طرف وجهها، ولها أحجام متعددة فيمكن أن تكون واسعة أو ضيقة، وتستخدم هذه اللقطة لربط الشخصيتين ببعضهما مكانيًا ونقل شعور للمشاهد بأن الشخصيتين مرتبطتان شعوريًا، كما أنها تساعد في المشاهد التي تحتوي عددًا كبيرًا من الشخصيات على تغيير محور الكاميرا دون أن يشعر المشاهد بخطأ ما.
تختصر هذه الأنواع السبعة أكثر أحجام اللقطات شيوعًا، وهي عمومًا تلخص ما يحتاج المخرج استخدامه من لقطات، ولكن كل مخرج يستطيع إضافة لمسته الخاصة على هذه اللقطات، ولا سيما من ناحية التكوين، فإن وضع الشخصيات في مواضع محددة من الكادر تمكنه من نقل معنى مختلف في كل مرة، كما أن أداة المخرج الأهم والأقوى هي الميزانسين، الذي يوزع من خلاله المخرج الشخصيات في الكادر، ويرسم لهم حركتهم أثناء المشهد الواحد خلال الأداء بالتوافق مع النص.
بعد إنجاز الميزانسين، يقوم المخرج بتقطيع المشهد إلى لقطات متعددة الأحجام، لينقل رسالته ويربط المتلقي بفيلمه بما يخدم الموضوع والمقولة والرؤية البصرية وسرد الحكاية مستخدمًا أنواع اللقطات وحركة الكاميرا وحركة الممثل في تغيير الأحجام وكلها موضوعات سنتناولها في مقالات قادمة.
جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024