لطالما كانت معشوقتي الأولى والأخيرة هي كرة القدم، تلك اللعبة التي استهوتني جدًا منذ سني عمري الأولى. هذا العشق جعل عقلي مبرمجًا كليًا على أساس هذه اللعبة، حتى بتُّ أرى كل شيء في الحياة وكأنه مباراة كرة قدم.
اليوم، أستطيع شرح فكرتي، أيًا كانت، ببساطة وسهولة إذا كان لي أن أستخدم كرة القدم مثالًا على ما أريد شرحه.
احتلت هذه اللعبة المرتبة الأولى عالميًا في نسبة الانتشار والمشاهدات، بعد أن تفوقت على أي فن ترفيهي يمكنه منازعتها صدارتها المطلقة. وقد استوقفني مؤخرًا التشابه الشديد بين كرة القدم وصناعة السينما والمسلسلات التلفزيونية عالميًا وحتى عربيًا. أوجه التشابه برأيي كثيرة وسأستعرض بعضًا منها هنا.
المدرب والمخرج
يتشابه الاثنان إلى حد كبير من وجهة نظري، فعندما توكل مهمة تدريب نادي كرة قدم إلى مدرب ما، فهي مهمة تشابه تمامًا إيكال مهمة إخراج فيلم إلى مخرج ما.
كلاهما لديه فترة تحضير بدني ونفسي مع فريق عمله لبدء إنجاز مهمته. فالأول لديه مهمة التدريب ووضع خطط لفريقه ليصل إلى الفوز، أما الثاني فيعمل أيضًا مع فريقه، من الممثلين والكادر الفني، ليصل إلى النجاح. التدريبات والتحضيرات البدنية والنفسية في كرة القدم أراها متشابهة إلى حد كبير مع البروفات والتحضيرات لأي عمل سينمائي أو تلفزيوني قبل الشروع في تصويره. في كل مباراة أشاهدها، يُذكّرني مُدرِّبوا كرة القدم بالمخرجين، بانفعالاتهم وغضبهم، حين لا يقدم الممثل أو اللاعب ما يريده المخرج/المدرب، وبابتساماتهم الراضية عندما تسير الأمور كما يريدون.
اللاعبون والممثلون
وهم النجوم دائمًا الذين تُسلّط عليهم الأضواء. يؤدون الدور المطلوب منهم في كل مباراة/ مشهد حسب توجيهات المدرب/المخرج.
اللاعب الذي يحافظ على مستواه ويتطور بشكل دائم هو كالممثل الذي يخرج علينا في كل فيلم جديد بشكل مبهر أكثر من قبل. وهناك الكثير من نجوم كرة القدم الذين هبط مستواهم واختفوا تدريجيًا من الساحة الكروية ومن ذاكرة المشجعين كما حدث للكثير من الممثلين الذين قدموا أفلامًا رائعة ومتميزة، ثم تراهم يختفون عن الساحة الفنية.
اللاعبون لهم جوائزهم التي توازي الأوسكار بالنسبة للممثلين، فجوائز الفيفا والاتحاد الأوروبي هي أوسكارهم الخاص.
بعض الممثلين يخوضون تجارب في الإخراج، ومنهم من ينجح نجاحًا ملفتًا للنظر مثل أنجلينا جولي وبن أفليك وجورج كلوني. ويتكرر الأمر نفسه مع اللاعبين الذين ينجحون نجاحًا مبهرًا في التدريب في مجال كرة القدم مثل بيب غوارديولا ولويس إنريكي ودييجو سيميوني.
الفريق الفني
في خمسينيات القرن العشرين، كان مدرب كرة القدم يقوم بكل شيء مع الفريق. فكان يشرف على كل صغيرة وكبيرة مباشرة. ولكن مع بداية تسعينيات القرن الماضي بدأت النقلة النوعية في عالم تدريب كرة القدم، حيث أصبح هناك فريق فني متكامل يساعد المدرب، ليصبح المدرب أكثر تفرغًا لنقاط محددة في التدريب. ونرى ذلك لدى المخرجين الذين يمتلكون فريق فني يقوم بمهام محددة تخفف الثقل عن المخرج، وتجعله يركز أكثر على الأمور الفنية، وتريحه من التفاصيل الصغيرة.
المنتج وصاحب النادي
كلاهما صاحب رأس المال ومن يقوم بتمويل الفيلم/النادي ماليًا.
يبحث دائمًا عن الطريقة التي تجعله يربح الأموال بالدرجة الأولى. تراه متواجدًا في موقع التصوير للوقوف على تنفيذ التصوير خطوة بخطوة، وكذلك الأمر مع صاحب النادي الذي تراه دائمًا في كل مبارايات الفريق على أرض ملعبه. يتواجد دائمًا ليرى أداء الفريق الذي يملكه وليتأكد من أن الأموال تُنفَق بالطريقة الصحيحة، والطريقة الصحيحة هي أن يكون هناك مردود وربح.
الاستثمار
أكثر ما يلفت انتباهي في التشابه بين كرة القدم وصناعة السينما هو كمية الاستثمار المادي المتواجد في كليهما. وخلال العقدين الأخيرين، بدأت كرة القدم تتحول لواحدة من أضخم الاستثمارات المالية مع كمية الأموال المرعبة التي ضخت في هذه الرياضة. فمثلًا، نجد مؤخرًا أن نادي كرة قدم مثل مانشستر سيتي قد أنفق حوالي 200 مليون يورو لتعزيز الفريق بأسماء ودماء جديدة وهو رقم قريب جدًا من ميزانيات أضخم الأفلام عالميًا مثل تايتانيك وآفاتار وقراصنة الكاريبي.
الجماهيرية
لا يختلف اثنان على أن الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية ومبارايات كرة القدم هي الأكثر مشاهدة على الإطلاق عالميًا، مع تفوق لبعض بطولات كرة القدم، حيث شاهد نهائي كأس العالم 2014 حسب الإحصائيات أكثر من مليار مشاهد حول العالم. ومباراة ناديي ليفربول ومانشستر يونايتد تبقى المباراة الأعلى مشاهدة حول العالم لمباراة كرة قدم حول العالم، متفوقةً على مباراة الكلاسيكو بين ناديي ريال مدريد وبرشلونة من حيث عدد المشاهدات. أما في مجال صناعة الأفلام والمسلسلات التلفزيونية فنجد أفلامًا مثل تايتانيك وآفاتار ومسلسل Friends قد حققت أرقام مشاهدة قريبة من أرقام مباريات كرة القدم.
الدوريات الكبرى وأفلام الانتاجات الضخمة
كلاهما سيان بالنسبة لي، فعندما أرى شركات إنتاج هوليوودية ضخمة، مثل باراماونت ووارنر بروذرز ويونيفرسال، أشعر بأنني أرى نادي ريال مدريد أو برشلونة أو مانشستر سيتي. إمكانيات مالية ضخمة قادرة على ضخ الأموال لإنتاج أفلام ضخمة أو على الطرف المقابل إمكانيات هائلة قادرة على شراء لاعبين يحصدون البطولات. وفي الطرف المقابل، تذكرني الأندية التي تلعب بدوريات أقل قوة وشهرة بالأفلام الأوروبية والأسيوية وأفلام أمريكا الجنوبية والأفلام المستقلة ذات الميزانيات الصغيرة. منها ما يحقق نجاحات في بلده وعلى حجم إمكانياته ولكنك لا تستطيع مقارنته بالأفلام الأمريكية ذات الإنتاجات الضخمة.
ممثلو العرب في كرة القدم والسينما العالميتين
لمعت أسماء عربية في المجالين. فكثيرًا ما أرى عمر الشريف بتألقه في السينما العالمية يشبه النجم الجزائري رابح مادجر، نجم كرة القدم الجزائرية في ثمانينات القرن الماضي. أما في العقد الأخير فنرى عمرو واكد وغسان مسعود وخالد النبوي في أهم إنتاجات السينما العالمية، وفي نفس السياق نرى لاعبين مثل رياض محرز ومحمد صلاح وسفيان فيغولي وياسين براهيمي وغيرهم الكثير من ممثلي الكرة العربية عالميًا.
لا أعلم إلى أي درجة يتحقق التشابه بين صناعة السينما وكرة القدم ولكنني أرى أوجه التشابه أكبر بكثير من أوجه الاختلاف ولطالما أحببت هذا التشابه بين هاتين الاثنتين.
هل ترى نقاط تشابه أخرى؟ شاركنا بها في التعليقات.
إعلان
جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024