المونتاج هو جزء من عمليات ما بعد الإنتاج للأعمال الفنية التلفيزيونية والسينمائية، وتأتي كلمة مونتاج من اللغة الفرنسية ومعناها “تجميع” والمراد بها هنا تجميع لقطات العمل لبناء سلاسل من المشاهد، وهذه المشاهد هي ما يكوّن العمل السمعي البصري.
المخرج الأمريكي الشهير ألفرد هيتشكوك يعرف المونتاج كالتالي : “المونتاج هو تجميع أجزاء الفيلم، التي تتحرك بتسلسل سريع أمام عين المشاهد لتوصل فكرة ما.” وهو كان يكره تسمية المونتاج «Cutting» او التقطيع لان ذلك يدل على التفكيك، وعملية المونتاج برأيه هي كالموزاييك تجميع قطع صغيرة لإنشاء عمل متكامل.
ولكن عبر تاريخ السينما كلمة مونتاج اتخذت اكثر من معنى حول العالم، ففي السينما الفرنسية -منشأ كلمة مونتاج- كانت الكلمة تعني ببساطة تجميع كامل لقطات الفيلم، وهو المعنى الذي نستخدمه نحن في الوطن العربي.
ولكن في السينما السوفيتية كلمة مونتاج تدل على جمع لقطتين أو أكثر لاستنباط معنى لا يمكن فهمه من لقطة واحدة لوحدها.
وكان المخرج السوفيتي ليف كوليشوف في طليعة من بدؤوا بخلق نظريات للمونتاج، وينسب إليه الإفيكت كوليشوف، ومن أهم أمثلته هي لقطة لوجه ممثل عليه تعبير محايد، ويتم قبله إضافة لقطات مختلفة كلقطة طفل ميت، فيشعر المشاهد بأن الشخصية حزينة، ثم يعاد المشهد مع إضافة لقطة لإمرأة جميلة، فيشعر المشاهد أن الشخصية واقعة في الغرام وإلخ..
و يعتبر المخرج السوفيتي سيرجيه إيزنشتاين من أهم من أستخدم هذا الإفيكت في أعماله.
و في السينما الهوليوودية الكلاسيكية تستخدم كلمة مونتاج لوصف مشهد معين « Montage Sequance » وهو مشهد فيه لقطات مكثفة لتوصيل فكرة معينة للمشاهد وأهم استخداماته هي لتوضيح مرور فترة من الزمن. ومن أهم الأمثلة هو مشهد بداية فيلم أوديسة الفضاء للمخرج ستانلي كوبريك « 2001:A Space Odessey » المشهد الذي يصور تتطور الإنسان من القرد.
في المونتاج مكونان أساسيان هما اللقطة والمشهد:
1 – اللقطة : أثناء تصوير الفيلم، اللقطة هي سلسلة الصور التي تستمر من بداية التسجيل في الكاميرا وحتى إيقافه. وتحتوي اللقطة على وحدة الزمان والمكان، اذ لايمكن أن تكون اللقطة في زمانين ومكانين مختلفين. وفي المونتاج اللقطة هي أصغر وحدة في الفيلم.
2 – المشهد: هو تسلسل اللقطات من مختلف الزاويا والأحجام. وللمشهد في العادة وحدة الزمان والمكان، ولكن قد يتم خرق هذه القاعدة لخلق شعور معين لدى المشاهد كمشاهد التقطيع المتوازي، التي تعطي المشاهد معلومات عن حدثين يحصلان بالتوازي وقد لا يشعر المشاهد بالتشويش لقدرته على فهم أن كلًا من الحدثين يحصل في مكان مختلف.
في بداية السينما كان المونتاج يتم بشكل يسمى “خطي” اي ان المادة المستخدمة بالقص واللصق هي المادة الأصلية “بكرة الفيلم” ويتم لصق اللقطات مع بعضها لتكوين المشاهد ومن ثم تجمع المشاهد لتكوين الفيلم وكان من الممكن إضافة أو حذف لقطة في منتصف الفيلم.
و مع ظهور الكاميرات التلفزيونية ذات الأشرطة استمر المونتاج بشكل خطي وذلك بواسطة جهازين كأجهزة الفيديو المنزلية، أحدهما لقراءة المواد والثاني لتسجيل اللقطات المختارة. ومشكلة هذا النوع من المونتاج انه لايمكن تجميع اللقطات إلا بتسلسلها الزمني ومن المستحيل إضافة لقطة بين لقطتين. فكل لقطة تأخذ حيزاً على الشريط ولايمكن تحريكها. لذلك وجدت الحاجة لنوع من المونتاج أقرب إلى طريقة مونتاج الأفلام.
وبفضل التطور التكنولوجي تم إدخال الكومبيوتر أو الحاسوب على صناعة الأفلام، حتى أصبح جزءاً أساسياً من عمليات ما بعد التصوير، فبدأ الإستغناء تدريجيًا عن شرائط الفيديو، تمت الاستعاضة عنها بالسي دي، ثم الدي في دي، والبلو راي. واليوم، أصبحت معظم الكاميرات تسجل على أقراص صلبة تنسخ بشكل مباشر على الكومبيوتر، وتم تطوير عدد كبير من البرامج للمونتاج كـ (Adobe Premiere Pro, Avid Media Composer, Final Cut pro) وغيرهم من البرامج وأصبح بإمكان أي كان أن يصور فيلمًا ويقوم بعمليات مونتاج، بعد أن كانت هذه المهنة حكرًا على أصحاب المعدات المخصصة لذلك.
ما زلنا نتابع التطور التكنولوجي في صناعتي السينما والتلفزيون، وأخر التطورات هي ما تعمل عليه كل من شركتي أدوبي (Adobe) وأبل (Apple) لتحويل التابلت لأداة مونتاج عن طريق الكلاود. والمثير للاهتمام أن كل تطور يزيدنا قربًا من أيام السينما الأولى، حيث العمل كان باللمس للمواد وها نحن نعود لما يشبه ذلك.
إعلان
جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024