يوتيوب يفتقد طيبة الفيلة

 

youtube_icon_by_slamiticon-d5z7nmc

 

منذ تأسيسه في 14 شباط/فبراير 2005، على يد ثلاثة موظفين سابقين من شركة PayPal هم تشاد هيرلي وستيف تشين وجاود كريم، في مدينة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ موقع الويب العالمي يوتيوب، الذي يسمح برفع التسجيلات المرئية ومشاهدتها والتعليق عليها، باحتلال مكانة هامة قد لا يصل لها موقع آخر على صعيد التأثير الاجتماعي العالمي، منافسًا الفيسبوك وغوغل ومسجلًا قرابة 100 مليون متصفح يوميًا.
أتاح الموقع لمرتاديه فرصة مشاهدة الكثير من التسجيلات التي كانت غير متاحة لهم سابقًا، كالأغاني والأفلام الترفيهية أو التسريبات الأرشيفية، التي بقيت حتى وقت طويل محتكرة لدى أصحابها. كما أتاح الموقع من ناحية أخرى فرصة رفع التسجيلات الحديثة والمبتكرة، التي يطرحها أصحاب الرأي أو من يعمل في حقول الميديا عمومًا. وساعد في ذلك، دون شك، التطور التقني الهائل في مجال التصوير والكاميرات الرقمية.
وبفعل التراكم الكمي لاحقًا، وخلال سنوات قصيرة، أضحى الموقع بمثابة مكتبة عالمية تعج بمختلف التنويعات المسجلة لكل ما يريد الباحث أن يسلط الضوء عليه في شتى الحقول والمجالات، ورغم وجود ضوابط عديدة يشترطها الموقع لرفع أي مقطع مصور أو فيلم مسجل، إلا أن الأمر لا يخلو من وجود انتهاكات كثيرة كالزجّ بمقاطع فاضحة أحيانًا أو مثيرة للكراهية أحيانًا أخرى، أو عرض مادة لا يسمح أصحابها بعرضها علنًا، إلخ.
ومنذ أن اشترى قيام شركة غوغل الشهيرة بشراء كافة أسهم يوتيوب من ملاكه الأصليين بمليار دولار أمريكي، صار شرطًا على كل من يرغب في التعليق على فيديو أن يمتلك حسابًا على غوغل، ما أثار حفيظة الكثيرين ومنهم جاود كريم نفسه، غير أن ذلك قد أبرز فيما بعد مشكلة كبيرة لم تجد حلًا حتى الآن، وهي مشكلة الحد من التعليقات المثيرة للحقد الطائفي والنزعات العنصرية، فقد فتحت حسابات وهمية بأسماء مستعارة غزت عالم الإنترنت، وبات من السهل على أي منتحل أن يدلي برأيه دون أن يقيم أي اعتبار لأي ضابط قانوني. وبينما نجحت الكثير من وسائل الإعلام المرئي في كبح جماح هذه الظاهرة، إلا أنها مازالت تنتشر كالنار في الهشيم تحت الملايين من الفيديوهات اليوتيوبية، لتفضح المستور من المشكلات الاجتماعية والأمراض التي تثقل كاهل مجتمعاتنا العربية، مثلًا.
لا ريب إذًا أن لليويتوب، بصفته المسهل الأول والأهم من مسهلات نقل المشاهد المسجلة عن طريق الهواتف الذكية أو الكاميرات الخفيفة، دور كبير في اندلاع واتساع موجات الاحتجاجات الشعبية في الدول العربية.
وقد لا يعلم الكثيرون بأن مجلة تايم الأمريكية اختارت موقع يوتيوب كرجل عام 2006 لدوره في إعطاء الفرصة لزواره في إنتاج المواد التي يعرضونها في الموقع، غير أننا نجزم أن الأعوام التي تلت لاحقًا، لابد أن تعطيه إذا صفة “السوبرمان” فقد غدا الموقع ساحة للحرب الافتراضية بين الفرقاء، فقد بدأ مؤيدو الأنظمة الحاكمة بإدراك أهمية هذه الساحة وخاصة بعد هبوط شعبية المحطات الفضائية التي استقطبت ولاءاتها واضمحلت مصداقيتها، مما حدا بهم لبث الكثير من المقاطع التي تروج لأحقيتهم الأخلاقية في احتكار السلطة. من جهة ثانية كان الفريق الثاني المطالب بالتغييرات على امتداد الوطن العربي كاملًا، قد وجد في ساحة اليوتيوب ملعبه الآمن، وبديله الفعال للتواصل الحي مع العالم الخارجي، فنشط كل من يمتلك وسيلة للتصوير لرفع كل ما يشاهده بأم العين. ومع الزمن تطورت استخدامات هذه الحرب اليوتيوبية، فباتت بعض الفيديوهات المؤثرة نفسيًا تسجل أرقاما فلكية من حيث نسبة المشاهدات، وخاصة مشاهد العنف الناتجة عن تطورات الأحداث الجارية في الشرق الأوسط.
تم حجب الموقع ومنعه في الكثير من الدول لإدراكها دوره الخطير، ثم أتيح مجددًا نتيجة للضغوط الشديدة، فقد اعتبرته إيران عام 2006 موقعًا لا أخلاقيًا. أما تركيا فقد حجبته بسبب وجود أفلام تنال من مصطفى كمال أتاتورك، وبسبب تحميل مواد تتعلق بالمجازر التركية بحق الأرمن. بينما قالت الإمارات العربية المتحدة أن الموقع يعرض أفلامًا تنال من الإسلام والمسلمين وشاركتها الباكستان موقفها. في حين أن الموقف التونسي كان متشددًا تجاه اليوتيوب بعد أن زجت أحزاب المعارضة بالكثير من النكات الساخرة من الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. ثم جاء المنع المصري، عام 2013، للموقع لمدة ثلاثين يومًا بحجة بثه للفيلم المسيء للرسول الكريم.
تكمن خطورة موقع اليوتيوب في أنه يتعامل مع التكنولوجيا البصرية، فلا يخفى على الباحث بأن الصورة (الفيديو) تستطيع أن تمرر للمشاهد رسائل عديدة لامتلاكها ميزات متفردة، فالصورة تمتلك عامل الإثارة والتشويق الذي يتملك المشاهد الفضولي، والصورة أيضًا تمتلك عادة مصداقية كبيرة وقابلية التصديق، كما تمتلك الصورة القدرة على التأثير المباشر على نفسية المتلقي، سيما وأنها تذيب العامل الزمني وتجعله طازجا في كل مرة تتم المشاهدة بها.
نعلم تمامًا بأن السينما كانت ولا تزال أداة مؤثرة في أدلجة الشعوب وتبديل القناعات، وقد ساهمت بشكل فاعل في دعم النشاطات العسكرية أثناء الحروب، غير أن الفن السابع الذي امتلك خصائصه الخالدة وأذاب الفنون السابقة في بوتقته، لم يمتلك صفة الانتشار الشعبي عبر صالات السينما. لقد استطاع اليوتيوب أن يجعل من نفسه الوعاء الذي تُحفظ فيه الطبخات والطعمات والنكهات، لتقدم لكل من يريد المشاركة في هذه المائدة العالمية الكبيرة ما يشتهيه.
في 23 نيسان/أبريل 2005، رفع على اليوتيوب أول فيديو، وقد رفعه جاود كريم ذو الأصول البنغالية، بعنوان أنا في حديقة الحيوان وقد كانت مدته 18 ثانية فقط. وقد حصد هذا الفيديو حتى الآن ما يقارب 28 مليون مشاهدة، وفيه يظهر الفتى وخلفه فيلان ضخمان. حتمًا لم يدر في خلد أولئك الفتية المؤسسين أن يوتيوبهم سيمتلئ بملايين الفيديوهات التي لن يكون لطيبة الفيلة نصيب منها.

 

شارك على:

شارك برأيك

إعلان

جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024

تم إطلاق هذا الموقع بمنحة من

مؤسسة اتجاهات - ثقافة مستقلة