يدور جدل واسع وطويل بين العاملين في المجالات الفنية، ولا سيما بعد ظهور الإنترنت في حياتنا كوسيلة للتعبير والابتكار والتعرف على تجارب الآخرين، حول الحقوق الفكرية وحدها من حرية التعبير.
يجد فريق من المتجادلين أن حقوق الملكية الفكرية تحد من حرية التعبير، لأنها تمنع الفنانين من الاستفادة من أعمال غيرهم وإعادة إنتاجها ونقدها، لأنها تحرمهم من إمكانية استخدام أي عمل فني أنجزه غيرهم دون الحصول على إذنهم المسبق ودفع المستحقات التي يجدها صاحب العمل مناسبة مقابل استخدام هذه اللقطات.
فيما يرى فريق آخر أن الحقوق الفكرية دفعت الفنانين إلى مزيد من الإبداع والعمل لأنها حفظت جهدهم وجعلت استخدامه مجزيًا بالنسبة لهم ولم تضيع حقوقهم فيما أنجزوه من أعمال.
وفي كلام كل من الفريقين وجه من الحق، وجانب من الإقناع، إلا أن جدلًا معقدًا كهذا من الصعب حسمه في عدة كلمات، ولكننا سنحاول المرور على أبرز جوانبه.
بدأت قنوات اليوتيوب العربية بعرض مقاطع فيديو دون أن يكون متاحًا بالنسبة لها تحقيق أي أرباح، بسبب أن يوتيوب لم يكن قد أتاح بعد إمكانية الربح لكل صناع المحتوى فيه، وكنا نلاحظ أن عددًا كبيرًا من قنوات اليوتيوب العربية كان قائمًا على تسجيل محتوى من التلفزيون وعرضه على يوتيوب، وهو أمر مرفوض تمامًا في ظل حقوق الملكية الفكرية، فالمسلسلات التلفزيونية التي كان يقوم بعض المشاهدين بتسجيلها ورفعها على يوتيوب تعود ملكيتها لشركات الإنتاج، كما أن لفريق العمل في المسلسل حقوقًا فكرية أيضًا محفوظة في أماكن كثيرة من العالم -ولكن ليس في بلادنا-، وتستطيع الشركة المنتجة عدا عن حذف الفيديو عن يوتيوب مقاضاة المشاهد الذي يقوم برفع الفيديوهات في حال كان قانون الملكية الفكرية في بلاده يشمل الإنترنت.
ومع ظهور مهنة اليوتيوبر، بدأ الكثير من صناع المحتوى العرب بإنجاز مقاطع فيديو ورفعها على يوتيوب بهدف تحقيق الربح، من خلال عقد شراكة مع موقع يوتيوب، وفوجئ كثير منهم، بحذف الفيديوهات من قبل موقع يوتيوب بسبب مشكلة تتعلق بالملكية الفكرية، كما جرى مع عبد الرحمن دندشي في الحلقات الأولى من برنامجه حمصوود، الحكاية التي رواها لنا في مقالة سابقة، ولا بد من الإشارة هنا، أن حقوق الملكية الفكرية تمس كثيرًا حرية العاملين في المجالات الناقدة والساخرة، وفي بعض الحالات تمنعهم من ممارسة عملهم، لأن صاحب الحقوق غالبًا يرفض منحها لمن يرغب بذمه أو توجيه انتقادات له، وهنا تظهر مسألة الجدل حول الصدام بين حرية التعبير والحقوق الفكرية في أوضح تجلياتها.
يعتبر موقع يوتيوب صارمًا جدًا فيما يتعلق بالحقوق الفكرية، ولكنه لا يمتلك حتى الآن آليات للتعرف على الصور أو الفيديوهات المستعملة دون إذن أصحابها، فيما يمتلك آليات تعرف إلكترونية على الصوت، تسمح له باكتشاف الخروقات من الناحية الموسيقية خاصة، ولكنه رغم عدم امتلاكه وسيلة تأكد بصرية، إلا أنه يسمح لكل الناس بالتبليغ عن المحتوى في حال وجدوا أنه ليس ملك المستخدم، وفي حال استطاعوا إثبات ذلك، يحذف الفيديو أو يكتم صوته.
تمتلك بعض شركات الإنتاج الضخمة موظفين متخصصين في ملاحقة انتهاكات ملكيتهم الفكرية، ويقومون بالتبليغ عن كل تجاوز يجري بحق أعمالهم، بل ويلاحقون القنوات التي قامت بالانتهاك إلى أن يتأكدوا من حرمانهم من حق استخدام المواد، وقد يلحقون ذلك بإجراءات قضائية، ولكنهم عادة يكتفون بالمنع، لأن الإجراءات القضائية في العالم عمومًا مكلفة وتأخذ وقتًا طويلًا.
يبدو في الأفق حل لهذا الجدل، وهو تعاون الفنانين مع بعضهم، بحيث يسمحون لبعضهم بالتبادل وتناول المواد بشكل فردي ومن خلال الاتصال المباشر أو الافتراضي، ولكن ما يمنع هذه العملية من الاكتمال هو حقوق الشركات المنتجة ولا سيما إذا كانت شركات كبيرة وذات قوة وسيطرة.
مع انطلاقة الثورة السورية، ظهرت مشكلة جديدة بالنسبة لقنوات اليوتيوب التي تقوم بنقل ما يجري في سوريا من إطلاق رصاص حي على المتظاهرين، أو لاحقًا المعارك التي جرت بين قوات النظام وقوات المعارضة، وهي أن التبليغات بكمية كثيفة على مقاطع الفيديو يمكن أن تؤدي إلى حذفها في حال قام يوتيوب بمراجعتها ووجد أن التبليغات محقة، وقد قام النظام السوري بتجييش مجموعة من الشباب تقوم بالتبليغ بشكل دائم عن كل ما يتم رفعه من قبل المعارضين، كما أن المحتوى العنيف لبعض الفيديوهات جعل يوتيوب يحظرها بحكم قوانينه التي تمنع نشر العنف، ولو كان الهدف من الفيديو إيضاح جرائم ارتكبت بحق المدنيين.
نعتقد أن الجدل حول أثر الحقوق الفكرية على حرية التعبيرسيظل قائمًا، وأن حسمه بجواب واضح وسهل صعب جدًا، ولكننا نتمنى ألا تؤثر الحقوق الفكرية التي نؤمن بضرورة حفظها لأصحابها على قدرة الكثيرين على التعبير عن رأيهم بكل حرية وجرأة.
إعلان
جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024