قد يظن من يسمع مصطلح محور الكاميرا المستخدم في السينما، أنه يعني أداة ولا سيما أن الكلمة المستخدمة عربيًا أكس الكاميرا، هي مختصر الكلمة الإنكليزية الأصلية أكسيس، ولكن المعنى الدقيق لهذا المصطلح المعرب هو: قاعدة المئة وثمانين درجة. فما هي هذه القاعدة؟ وكيف يمكن استخدامها؟ فلنتعرف إليها معًا.
قاعدة المئة وثمانين درجة أو ما اصطلح على تسميته عربيًا بمحور الكاميرا، هو قاعدة تستخدم لربط شخصيتين أو شخصية وعنصر في المشهد الواحد بعلاقة جغرافية واضحة، دون أن يشعر المشاهد بتشويش أو بان الشخصيات تقفز وتغير مكانها بين اللقطات.
ويتم تطبيق هذه القاعدة برسم خط وهمي يصل بين الشخصيتين أو بين الشخصية والعنصر المراد، يمكن اعتباره قطرًا لنصف دائرة، يمكن للمخرج خلال المشهد الواحد وفي مختلف لقطاته أن يضع الكاميرا في محيط نصف الدائرة تلك، دون ان تختلف بالنسبة للمشاهد العلاقة بين الشخصيتين، فإن كان أحدهما ينظر للآخر على يمين الشاشة، فإن الآخر ينظر إليه على يسارها طالما ظلت الكاميرا في نفس الجهة من القطر الافتراضي، أو كما يصطلح بالعامية “على نفس الأكس”.
الهدف من هذه القاعدة الذهبية هو ربط الشخصيات بالنسبة إلى المشاهد، فرغم أن الشخصيتين واقعيًا تنظران إلى بعضهما مباشرة وليس يمينًا أو يسارًا، إلا أن الكاميرا بصفتها مراقبًا خارجيًا، لا يمكن أن تنقل لنا هذه العلاقة المباشرة لأنها لا بد أن تكون في موقع ما من الشخصيتين. ومثال هذه القاعدة الأوضح هو تصوير مباريات كرة القدم، الذي يتم دومًا من جهة واحدة من الملعب، بحيث يتضح بأي اتجاه يركض اللاعبون، فإذا تم التصوير من الجهتين فإن ما سيبدو للمشاهد أن اللاعبين كلهم يركضون إلى مرمى واحد.
وتستخدم اللقطات التي تصور من خلف الكتف والتي تحدثنا عنها في مقال أحجام اللقطات، لتزيد هذه العلاقة وضوحًا، فإن ظهور أحد الشخصيتين في لقطة الشخصية الأخرى يعزز هذه العلاقة ويوضحها. إن هذا الخط الوهمي الذي يمكن أن يحس بعض المخرجين أنه قيد يحد من حريتهم، يمكن أن يتغير ببساطة من خلال تحريك أحد العناصر إلى مكان جديد، أو تحريك الكاميرا من جهة إلى أخرى، ورسم خط وهمي آخر يمكن أن يكون من الجهة المقابلة، وبذلك يتخلص المخرج من خيار أن الشخصيتين تنظران إلى بعضهما فقط من جهة واحدة.
تبدو هذه القاعدة بسيطة وسهلة، ولكنها مع تعقد مستوى الحركة والميزانسين تصبح أصعب ضبطًا، وتزداد العملية تعقيدًا مع ازدياد عدد الشخصيات في المشهد الواحد، والطريقة التي ينصح بها لتسهيل التعامل مع مجموعة من الشخصيات في المشهد، هي قسمهم إلى كتلتين، نعتبر كلًا منهما عنصرًا واحدًا، ومن ثم نرسم الخط الوهمي بين هذين العنصرين، ونصور في محيط نصف الدائرة الناتج عن هذا الخط.
إن التعقيد الناجم عن وجود أكثر من شخصيتين في المشهد، يجعل المخرجين الهواة يقعون كثيرًا في أخطاء في محور الكاميرا، توحي للمشاهد بمشكلة ما دون أن يعرف ما هي بالضبط. إذ يشعر من يشاهد تجاوزًا في قاعدة الـ180 درجة أن إحدى الشخصيات تنظر إلى الأخرى في الجهة المعاكسة لوقوفها، ويعتقد بعض المخرجين الهواة أيضًا أن حل هذا النوع من الأخطاء بسيط خلال عملية المونتاج، إذ توفر برامج المونتاج على الكومبيوتر إمكانية قلب اللقطة (مؤثر المرآة)، ولكنهم ينسون أن ما تقلبه هذه المؤثرات ليس نظرة الممثل فحسب، بل كل اللقطة بما تحتويه من ديكورات وإكسسوارات، فمثلًا إذا كان الممثل يجب أن ينظر إلى يمين الكاميرا، وخلفه على اليسار وضعت قطعة أثاث، وتم تصوير اللقطة فيما الممثل ينظر إلى يمين الكاميرا، فإن قلب اللقطة أثناء المونتاج سيصحح نظرة الممثل، ولكنه سيغير مكان الأثاث في المنزل.
وتجدر الإشارة هنا، أن بعض المخرجين المحترفين استخدم كسر قاعدة الـ180 درجة، أو كسر الأكس، بشكل مقصود، بهدف نقل معنى، فإن الشعور بأن أحدى شخصيات المشهد “قفزت” من مكانها، يساهم بقوة في نقل عزلتها أو اختلافها عن أقرانها في المشهد، ويشعر المشاهد بأن شيئًا ما خاطئًا قد حصل، ولكن استخدام هذا النوع من اللقطات يحتاج معنى ضمنيًا في النص، أو في ما تشعر به الشخصية، كما أنه شديد الندرة، لأنه استخدامه بغير دقة ومعرفة سيوحي بأن خطأ ما قد حصل دون قصد. ونلاحظ في هذا الإطار نظريتين، الأولى تعود إلى المدرسة السوفييتية الصارمة، والتي تعتبر كسر القاعدة خطأ حتى لو كان استخدامه مقصودًا، فيما نجد في النظرية الأمريكية في مدرسة هوليوود تساهلًا أكبر مع الفكرة، إذ يعتبر الهوليووديون أن لحظة الكسر تلك وإن سببت للمشاهد صدمة بسيطة، فإنه سيتجاوزها فورًا بمساعدة الجغرافيا التي تتغير في الجهة المقابلة بوضوح.
يجب على المخرج ألا ينسى أن مهمته الأولى والأساسية هي خلق الوهم، خلق وهم العمق والأبعاد الثلاثة، ووهم الاستمرارية، فالشاشة التي تعرض عليها الأفلام أولًا وأخيرًا شاشة مسطحة ببعدين، ولكن الحركة والتكوين وعناصر اللقطة كلها عناصر تساعد في خلق الوهم بوجود أبعاد ثلاثة في كل لقطة، أما وهم الاستمرارية فيخلقه المخرج بربط اللقطات ببعضها متتالية في ذهنه أولًا وخلال عمليات التصوير والمونتاج لاحقًا، بحيث تبدو هذه اللقطات المصورة بشكل متقطع وغير متتال وكأنها مستمرة، ويقع ضمن هذا الوهم الحفاظ على العلاقة بين الشخصيات، وبينها وبين عناصر المكان، وشرح جغرافيا المكان، في اللقطة الواحدة، وفي المشهد كوحدة منفصلة. وهذا الوهم لا يكتمل إلا بصنعة تقنية يحترفها المخرج مع الوقت والخبرة، تسمح له بأن يجد في القواعد راحة لا قيدًا، ويجد من خلالها أن قدرته على الإبداع لا تعني عدم الالتزام بما قامت السينما بإنتاجه من قواعد على مر أكثر من مئة عام من تاريخها.
إعلان
جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024