أدهم أبو شقرة

من المؤكد أنكم سبق وقد شاهدتم، لمرة واحدة على الأقل، فيديو من كواليس موقع تصوير لهذا الفيلم أو ذاك على شاشة التلفزيون، أو سبق وشاهدتم على أرض الواقع موقعًا لتصوير مسلسل أو فيلم وشاهدتم كيف تدار عملية تصوير مشهد سينمائي أو تلفزيوني. ولكن هذا ليس كل شيء فالعملية أطول وأعقد مما شاهدتموه.

تنظيم العمل هو الأساس ولتنظيم هذا العمل لا بد من خطوة أولية تسمى “التفريغ العام” وهي عملية لم يسمع بها الكثيرون من قبل ولا يعرفون عنها شيئًا.
التفريغ العام هو العمود الفقري لتصوير أي فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني، ويقوم بهذه العملية المخرج المساعد أو المخرج المنفذ. وتبدأ بعد قراءة نص الفيلم أو المسلسل، وتحويل المَشاهد إلى جداول وأرقام وخانات لتنظيم سير عملية التصوير. عملية التفريغ العام عملية طويلة وتحتاج لتركيز ودقة عالية لأن أي خطأ مهما كان صغيرًا يؤدي إلى أخطاء في التصوير قد تتطلب إعادة تصوير بعض المشاهد، ما يعني كلفة كبيرة ماليًا.
من الممكن أن تختلف أشكال أو أسماء الخانات داخل كل تفريغ عام بين النماذج المعمول بها في العالم، لكن يبقى الأساس واحدًا ويتمثل في الهدف من التفريغ العام وهو تنظيم عملية التصوير.
للتبسيط، سنعمد إلى شرح سريع للنموذج المعتمد في الدراما السورية. تتم العملية في برنامج “مايكروسوفت إكسل” Microsoft Excel، أو برنامج شبيه، بتقسيم الصفحة إلى عدة خانات أساسية لا يمكن الاستغناء عن أي منها. وهي على الترتيب: رقم الحلقة – رقم المشهد – الزمان – المكان – عدد صفحات – ديكور عام – ديكور خاص – الشخصيات – الأكسسوار – الملاحظات – ملخص المشهد.
فإذا بدأنا على سبيل المثال مع أي مشهد سيكون كاتب النص قد كتب مع بداية كل مشهد في الترويسة: “المشهد 1 – منزل عيسى – الصالون – نهاري/داخلي”. يتم وضع هذه المعلومات داخل كل خانة في صفحة التفريغ العام، فنضع رقم الحلقة، وبعدها رقم المشهد وهو 1، الزمان نهاري، المكان داخلي، وفي خانة عدد الصفحات نضع عدد الصفحات التي يتألف منها المشهد، الديكور العام هو منزل عيسى والديكور الخاص هو الصالون، أما باقي الخانات فيتم ملؤها بعد قراءة المشهد بوضع أسماء الشخصيات الموجودة في المشهد والأكسسوارات الضرورية له، والملاحظات الخاصة به وملخص ما يدور في المشهد.
بعد المرور على جميع مشاهد الفيلم أو المسلسل وتفريغها داخل الجداول تبدأ المرحلة الثانية من أهمية التفريغ العام وهي فرز ووضع أوامر التصوير، أو ما يسمى بالأوردرات، وهي قائمة بالمشاهد التي سيقوم الفريق بتصويرها في يوم تصوير محدد، ولكل مشهد المعلومات التي ذكرناها أعلاه.
يبدأ وضع أوامر التصوير بتقسيم المشاهد وفرزها حسب موقع التصوير، فنضع المشاهد التي ستُصوَّر في منزل معين معًا، ثم المشاهد التي ستصوَّر في منزل آخر أو مطعم أو شارع، إلخ. وعلى أساس هذا الفرز يستطيع فريق التصوير معرفة المدة الكافية لتصوير المسلسل أو الفيلم، ويستطيع وضع ميزانية تقديرية لهذا العمل.
وحسب طريقة عمل الفريق الفني وسرعته، يختار المخرج المنفذ عددًا مناسبًا من المشاهد التي يمكن تصويرها في يوم واحد وفي موقع تصوير واحد. وعلى المخرج المنفذ أن يوازن بين عدد المشاهد النهارية وعدد المشاهد الليلية، بحيث يمكن الاستفادة من النهار والليل في التصوير. وغالبًا ما يتحدد حجم أمر التصوير الواحد بعدد صفحات إجمالي يمكن للفريق إنجازه في يوم واحد.
بعد التفريغ العام هناك أيضًا تفريغ آخر لا يقل أهميةً عن التفريغ العام، وهو تفريغ الملابس والأكسسوارات، يسميه العاملون في هذا المجال “تفريغ السكريبت” أو “تفريغ الراكورات”. هذا التفريغ يقوم على أساس فصل كل شخصية من شخصيات المسلسل أو الفيلم على حدة، وتتبع حركة الشخصيات في المشاهد المتتالية زمنيًا. فلنفترض أن أحمد في السيناريو لديه عدة مشاهد متتالية ومترابطة زمنيًا، كأن يكون أول مشهد له في المنزل، والمشهد الثاني في السيارة، والمشهد الذي يليه في الجامعة، ومن ثم في السينما، إلخ.
لا تُصوَّر هذه المشاهد بالتتالي، بل يتم تصوير المشاهد بترتيب مواقع التصوير كما أشرنا. ومن الممكن أن يكون الفارق بين تصوير هذه المشاهد هو عدة أشهر. وتتمثل مهمة تفريغ السكريبت أن يساعد من يقوم بمهمة السكريبت أو ملاحظ السيناريو، على ضبط وهم التسلسل الزمني للمشاهد، وذلك بأن يجعلنا نرى أحمد بنفس الملابس والأكسسوارات بشكل متطابق في هذه المشاهد.
تفريغ السكريبت يقوم به شخص أيضاً من فريق الإخراج يسمى السكريبت أو ملاحظ السيناريو، كما ذكرنا. والمهمة الرئيسة لهذه المهنة أثناء التصوير، هي تحديد الملابس المطلوبة لكل شخصية في كل مشهد أثناء التصوير بالاستعانة بتفريغ السكريبت.
أعتقد أن الكثيرين يسمعون عن التفريغ لأول مرة، وأتمنى أن يجده البعض مفيدًا في فهم جزء من آلية صناعة فيلم أو مسلسل تلفزيوني. وربما تكون هذه المعلومة مفيدة لأي شخص يريد أن يصنع فيلمه الأول أو لأي مهتم بهذا المجال.

شارك برأيك