السينما المستقلة في سورية: تجربة شخصية

amre

 

في بداية عام 2008 أنجزتُ فيلمًا روائيًا قصيرًا بعنوان شتاء حار وفي حوزتي سيناريو الفيلم وكاميرا فيديو منزلية (هانديكام) مدفوعًا بمقالات قرأتها على الإنترنت حول تجربة “السينما المستقلة” في مصر. وكان هاجسي القدرة على صناعة فيلم بالاعتماد على كاميرا وسيناريو فقط، دون الحاجة لوجود عشرات العمال والفنيين كما هو الحال في العمل التقليدي.
أثناء مونتاج الفيلم تساءلتُ حول إمكانية صناعة “فيلم حقيقي” بمثل هذه الظروف وقد دفعني تساؤلي هذا لكتابة وإنجاز فيلم 8 ميليمتر ديجيتال الذي تدور قصّته حول مخرج سينمائي يصنع فيلمًا بواسطة كاميرا فيديو، هي نفسها الكاميرا التي صورت بها تلك التجربة. ورغم أن ظروفًا إنتاجية مثالية توفرت لفيلم 8 ميليمتر ديجيتال، إلا أن موضوعه كان برمته يدور حول صناعة فيلم بواسطة كاميرا فقط، أي بأسلوب عمل يشبه الأسلوب القائم في “السينما المستقلة” بشكلها الأكثر تقشفًا. وشكّلت مشاركة الفيلم في مسابقة مهرجان دمشق ومهرجانات أخرى دافعًا قويًا لي، ولمجموعة العمل، لتأسيس تجمع السينما الجديدة New Cinema Group، وهي جهة إنتاج مستقلة قامت على جهود فردية، تمكنتُ عبرها من مواصلة إنجاز الأفلام بنفس الطريقة.

 

وخلال الفترة الواقعة بين عامَي 2007 و2010 ظهرت مجموعة أفلام صنعها شبّان سوريون بالاعتماد على نصوصهم وكاميراتهم مثل ذكريات لا يحملها الماضي (2008) لباسم السلكا، وفوضى (2009) لعصام خليل، الذي عُرض عرضًا خاصًا على هامش مهرجان دمشق السينمائي، إضافة إلى رائحة الموت (2010) وعين الذئب (2010)، اللذين أنجزتهما بالتعاون مع التجمع. والحقيقة أن هذه التجارب تتقاطع في مقارباتها لمواضيع ذات صبغة تجارية كقصص الحب وعذاباتها بالنسبة لجيل الشباب وعوالم الجريمة والسرقة والقتل وتعاطي المخدرات. ورغم أن غياب معهد للسينما في سوريا يكفل إعداد جيل يملك ثقافة سينمائية مختلفة ومتنوعة يعد سببًا رئيسيًا لجنوح تلك التجارب نحو هذا الاتجاه، إلا أن السبب المباشر هو إحجام السينما السورية، المُنتَجة من قبل المؤسسة العامة للسينما، عن تناول مثل تلك الموضوعات في أفلامها، رغم أنها قضايا واقعية تستحق الحضور على الشاشة الكبيرة. وكان ذلك ما عززّ الرغبة بإنتاج أفلام ذات صبغة تجارية جماهيرية تقيم جسرًا للتواصل مع الجمهور، وخاصة الشباب، من خلال الابتعاد عن موضوعات السيرة الذاتية والصراعات الإيديولوجية، على صعيد المضمون، وتجنب الرمزية والتعقيد، على مستوى الشكل، ويوضح ذلك أن الدوافع نحو “السينما المستقلة” في سوريا هي عكس الدوافع التي وقفت وراء ولادة “السينما المستقلة” في مصر. فإذا كانت رغبة السينمائيين المصريين، ومعظمهم من خريجي معهد السينما، هي التحرر من سطوة السينما التجارية وموضوعاتها الضحلة في العموم، فإن رغبة السينمائيين السوريين، ومعظمهم من الهواة، كانت خلق مثل تلك السينما لضمان التواصل مع الجمهور الذي لا تأبه به سينما المؤسسة. إلا أن الرغبة في “التبسيط” الزائد أدت إلى إضفاء شيء من السذاجة، أحيانًا، على تلك التجارب بعد اكتمالها، من دون أن نغفل حداثة تجربة صنّاعها في تلك الآونة، وإلى اعتبارها أفلام “هواة” تحاول من خلال موضوعاتها محاكاة تجربة الدراما التلفزيونية وتكثيفها زمنياً وتحويلها إلى أشرطة فيلمية، يقام لها عروض خاصة أو تشق طريقها للعرض عبر “يوتيوب”، الذي أضحى المنبر المفضّل لصنّاع تلك الأفلام.

 

https://www.youtube.com/watch?v=8kNboz7c2oE&index=1&list=PLRrQqGg2lmUf8FgCS1DcliOTaa5qpCLgI

ورغم أن هذا الرأي يصيب قدرًا كبيرًا من الصّحة، إلا أن عملية الأرشفة الضرورية اليوم لبدايات “السينما المستقلة” في سوريا لا بد أن تنصف تلك التجارب على اعتبارها محاولات متواضعة لتأسيس اتجاه جديد قائم على الجهود الفردية الخالصة، لا شكّ أنه كان ملهمًا لتجارب أخرى أكثر نضجًا ظهرت بعد ذلك. وقد تقاطعت تلك الأفلام في موضوعاتها، كما تقاطعت أيضًا بآلية إنتاجها، حيث أدرك صنّاع الأفلام الشباب صعوبة الحصول على دعم من المؤسسة العامة للسينما، أو أيّة جهة إنتاج خاصة، ولاسيما بعد عام 2009، حين ظهر مشروع طموح، كنت شاهدًا على مراحله، قدّمه المخرج طلال ديركي للمؤسسة ولعدة شركات إنتاج يهدف للحصول على دعم لأفلام قصيرة كتبها سينمائيون شباب. إلا أن المشروع لم يرَ النور بسبب عدم الاهتمام الذي قوبل به من قبل المؤسسة وبعض الجهات الأخرى، بينما أبدت جهتان إنتاجيتان فقط من أصل خمس، قُدم لها المشروع استعدادها للدعم.
حفزّت تلك الخيبة الشباب على صنع أفلامهم بأنفسهم والكفّ عن انتظار تمويل لن يأتي، ولعل الأقرب إلى الدّقة أنه إذا كانت تصنيفات النقّاد، التي نشرت في العديد من المقالات، تميل إلى اعتبار فيلم البشرة المالحة (2002) لنضال حسن بداية السينما المستقلة، إلى جانب أفلام ورشة سينما أيلول، والأفلام التي عرضت ضمن “تظاهرة مجلة الوردة” في دمشق عام 2006، فإن الأفلام التي صنعها شبّان حملوا كاميراتهم و خرجوا إلى الشوارع بصحبة نصوصهم هي اتجاه أخر ربما يعتبره البعض جزءًا من حركة “السينما المستقلة”، وربما يعتبرونه محض تجارب تعبّر عن حبّ الشباب السوري للسينما وشغفهم بصناعة الأفلام واستكشافهم الطريق إليها، لكنها وبكل الأحوال تجارب قائمة تستحق النظر إليها بجدية.

شارك على:

شارك برأيك

إعلان

جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024

تم إطلاق هذا الموقع بمنحة من

مؤسسة اتجاهات - ثقافة مستقلة