بعد الاهتمام الذي لاقته سلسلة محاضرات «مبادئ كتابة السيناريو» التي بثتها تحت الـ35 على يوتيوب، قررت تحت الـ35 نشر سلسلة من المقالات تسلط المزيد من الضوء على هذا الموضوع للتعمق في مجال كتابة السيناريو وتعميم الفائدة.
للوهلة الأولى، يبدو السيناريو عملًا غامضًا وصعبًا ومعقدًا. ولا ريب أن حرفة كتابة السيناريو تحتاج من صاحبها الاجتهاد والتخطيط والبحث والقراءة والتحضير. إلا أنها لا تختلف في ذلك عن أية حرفة أخرى، فإتقان أي عمل أو حرفة يتطلب القدر نفسه من الجهد.
تشكل سلسلة المقالات التي نبدؤها اليوم استكمالًا ضروريًا للمحاضرات المصورة التي سبق لنا نشرها على يوتيوب. ونأمل أن تساعد المقالات والمحاضرات الموجودة على يوتيوب على فك رموز حرفة كتابة السيناريو بحيث تشكل دليلًا أوليًا، باللغة العربية، للراغبين في خوض تجربة كتابة السيناريو.
تعريف السيناريو
تتباين التعريفات التي تقدمها الموسوعات والكُتُب للسيناريو. ويصعب وضع تعريف موجَز للسيناريو في عبارة أو عبارتين، إذ لا بد من بيان عناصر المعلومات الأساسية التي يتضمنها كل سيناريو للوصول إلى تعريف شامل ودقيق له. رغم ذلك، يمكننا القول أن مجمل هذه العناصر تُشكِّل مادةً ورقيةً مكتوبةً يسعى الفريق الفني بكامل عناصره (المخرج ومساعدوه، الممثلون، مصمم الملابس ومساعدوه، مصمم الديكور ومساعدوه، المؤلف الموسيقي، إلخ) إلى تحويله إلى عمل مرئي ومسموع على شاشة السينما أو شاشة التلفزيون أو شاشة الكمبيوتر.
المعلومات الواردة في السيناريو
إذا نظرنا إلى السيناريو من الجانب التقني البحت، نجد أن السيناريو ينقسم إلى وحدات، أصغرها هي المشهد. ويتضمن المشهد المعلومات التالية: المكان والزمان الذي تجري فيه تفاصيل المشهد، والحركة والأفعال التي تقوم بها الشخصيات، والحوار الذي تقوله الشخصيات، وينتهي المشهد بالانتقال إلى المشهد التالي، وفي حالة المشهد الأخير، ينتهي المشهد بنهاية العمل الفني. وسنتحدث عن هذه العناصر بتفصيل أكبر في مقالات قادمة.
بهذه المعلومات المتتالية مشهدًا بعد مشهد، يؤدي السيناريو وظيفته الأساسية، ألا وهي سرد قصة تُرى وتُسمَع. أيًا تكن طبيعة السيناريو -سينمائيًا كان أم تلفزيونيًا، قصيرًا أم طويلًا، وثائقيًا أم روائيًا- فإن مهمته الأساسية والأولى هي سرد قصة. بطبيعة الحال، تترافق مع القصة رؤية فكرية، سياسية أو اجتماعية أو فلسفية أو غيرها، ورؤية جمالية أو فنية. ولكن أساس أي سيناريو هو قصته، وأيًا يكن مدى نبل أو أصالة الرؤى التي يعبر عنها السيناريو، فإن القيمة الفنية والتقنية للسيناريو تنبع من مدى إتقان سرد القصة التي يرغب الكاتب في سردها.
مكوِّنات قصة السيناريو
تتكوّن القصة في السيناريو، وفي غيره من الفنون الدرامية والروائية، من ثلاثة عناصر: الحكاية والحبكة والصراع. الحكاية هي مجموع الأحداث بترتيبها الزمني، والحبكة هي الأحداث بترتيبها السببي، والصراع هو نزاع بين طرفين.
فلنفترض أن السيناريو يروي حدثًا قصيرًا، وهو أن موظفًا عاد من عمله إلى منزله فوجده مسروقًا.
عندما نحدد حكاية السيناريو، فإننا نضع الأحداث بالتتالي زمنيًا، حتى لو لم تكن مترابطة أو ذات صلة مباشرة بالموضوع الأساسي الذي يعالجه السيناريو. فقد تتضمن الحكاية في هذا المثال، أن الموظف الذي نتحدث عنه عندما ذهب إلى عمله، تشاجر مع رئيسه في العمل بسبب خلافٍ ما. ويرِد هذا الحدث في الحكاية، قبل الحدث الرئيس، وهو سرقة منزل الموظف. لا تترابط الأحداث في الحكاية، إذًا، إلا من خلال زمن وقوعها.
أما عندما نحدد الحبكة فيجب أن يكون كل حدث سببًا للحدث التالي، ونتيجةً للحدث السابق. في مثالنا نفسه، ليس مهمًا للحبكة شجار الموظف مع رئيسه في العمل، فهذا الشجار ليس سببًا للسرقة ولا نتيجة لها. إنما المهم هو أن الموظف كان خارج المنزل، وأن اللصّ اختار منزله. وبالتالي، لا تتضمن الحبكة الأحداث التي لا ترتبط سببيًا بالأحداث التي يختار السيناريو سردها.
أما الصراع في مثالنا هذا، فهو ناشئ عن تضارب المصالح بين الموظف واللص، وينشأ عن ذلك نزاع بين الطرفين.
بهذا المثال البسيط، يمكننا أن نرى كيف تشكِّل عناصر ثلاثة (الحكاية والحبكة والصراع) قصةً يسردها السيناريو من خلال المَشاهد المتتالية. وترتيب تتالي المَشاهد في السيناريو تفرضه الحبكة وليس الحكاية. في أغلب الحالات، يتشابه الترتيب الزمني والسببي للأحداث، ولكنهما لا يتطابقان. فكل حكاية تتضمن الكثير من التفاصيل التي لا تشكل أهمية للقصة النهائية التي يرويها السيناريو.
الحكاية هي الأساس، فهي التي تتضمن الأحداث كلها، سواءٌ كانت مرتبطة بموضوع القصة أم غير مرتبطة. والقصة التي يختار السيناريو سردها عادةً ما تكون جزءًا من الحكاية وهو الجزء الذي يتضمن صراعًا، وهذا الصراع ينتج أحداثًا مترابطة سببيًا تشكل في مجموعها الحبكة. والامتزاج والتفاعل بين هذه العناصر الثلاثة يشكل القصة.
*
تتوفر هذه العناصر الثلاثة في مختلف أنواع الفنون الدرامية والسردية، ولكن للسيناريو نقاط اختلاف عن أنواع الكتابة الأخرى، سنتحدث عنها في المقالة القادمة.
إعلان
جميع الحقوق محفوظة لشركة تحت الـ35 © 2024